تنمية الشخصية اللغوية عند الأطفال.. أنشطة مقترحة

للقصص والحكايات أهمية كبيرة في تنمية وتطوير مهارات الأطفال؛ فكما أنَّ للقصة دورها البارز كمصدر للمتعة والتسلية لدى الصغار، فلها أيضًا كبير الأثر في تربية الطفل وتعليمه وإثراء الجوانب المعرفية لديه، وأبرزها الجانب اللغوي. 

فبجانب الأثر الواقعي الملموس للقصة في إكساب الطفل المفردات اللغوية السليمة، وتصحيح النطق اللغوي، وزيادة الحصيلة اللغوية للطفل من خلال كلمات القصة، وتعويده النطق السليم، نجد أيضًا الكثير من الأبحاث والدراسات التي خلصت إلى نفس النتيجة بعد إجراء العديد من التجارب الميدانية على الأطفال؛ وخاصة أطفال ما قبل المدرسة.

ومن تلك الأبحاث، البحث الذي أجراه الدكتور/ راشد علي عيسى (1) لاستقراء أهمية أدب الأطفال في تنمية الشخصية اللُّغوية عند الطفل، وخلص هذا البحث إلى أن أدب الأطفال “مصدر رئيس وغني وممتع لإكساب الطفل المهارات اللغوية المختلفة (القراءة، والكتابة، والاستماع، والتحدث)، من أجل بناء الشخصية اللُّغوية المرجوة، وتنمية مهارات التفكير والتذوق الأدبي. كما استنتج البحث أنه لا بد من استخدام أدب الأطفال في المدارس بصفته رديفًا متميزًا لدروس اللغة العربية المنهجية”.

وفي البحث ذاته عرَّف الدكتور/ راشد علي عيسى (الشخصية اللُّغوية) بأنها “مجموعة المهارات اللغوية المتعددة التي يكتسبها الطفل من مصادرها المختلفة لا سيما أدب الأطفال؛ فتتنامى لديه بالاستخدام والممارسة التطبيقية، حتى تصبح علامة بارزة من تكوينه النفسي والاجتماعي والعقلي والفكري والسلوكي، ثم تتطور معه في مراحل حياته اللاحقة في صورة خبرات وفنون وطرائق تعبير تسبب له النجاح والتميز”.

وبالنظر إلى ما سبق، يتبين لنا أهمية استخدام أدب الطفل- وخاصة القصص المصورة- كوسيلة جيدة وفعّالة لإكساب الطفل المهارات اللُّغوية المختلفة، وأنه بمتابعة استخدام اللغة وممارستها بشكل تطبيقي، تتكون لدى الطفل تلك الشخصية اللُّغوية. لكن، ما هي الآلية والكيفية التي تمكننا من تكوين تلك الشخصية اللُّغوية المرجوة؟ وهل ذلك الأمر ممكن ومتيسر لكل شخص؟ أم يحتاج إلى متخصصين؟

سنتعرف فيما يلي على آلية ذلك، من خلال استعراض بعض الأنشطة التي اتَّبَعْتها مع أطفالي خلال قراءاتنا للقصص، وخلال ورشات الحَكْي التي كنت أنظِّمها لأطفال تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثانية عشرة، ويظهر من خلالها أن الأمر قابل للتنفيذ مع بعض التدريب عليه.

 أنشطة تنمية الشخصية اللغوية لدى الأطفال:

 أولًا: أنشطة تعزيز مهارَتَي (الاستماع والتحدُّث):

في المرحلة العمرية المبكرة، أي مرحلة ما قبل المدرسة، يكون الطفل في مرحلة اكتساب اللغة المنطوقة (الاستماع والتحدُّث)، فنختار له قصصًا مصوَّرة ذات نص قصير نوعًا ما، ونسردها عليه، ويكون هو منصتًا لما يسمع.

وبعد الانتهاء من القصة، ولتقييم (مهارة الاستماع) لديه، نبدأ بطرح أسئلة الفهم والاستيعاب، فنسأله أسئلة مختلفة عن أحداث القصة وشخصياتها، ونستخدم أدوات الاستفهام المتنوعة (ما، ولماذا، وكيف، وهل، ومتى… إلخ)، ثم نترك له المجال لكي يجيب عن تلك الأسئلة لنعزز لديه (مهارة التحدث)، وكذلك نطلب منه تلخيص القصة شفويًّا بأسلوبه وبطريقته، دون مقاطعة له أو مساعدة.

وللأطفال ذوي الأعمار الصغيرة ممَّن لا يجيدون التحدُّث بطلاقة بعد، تقوم الأم أو الشخص الذي يقرأ للطفل بالإشارة إلى الصور الموجودة بالقصة، ويطلب منه أن يخبره عن اسم كل صورة ليكتسب الطفل حصيلة لغوية أكبر.

أما في مرحلة الصفوف الابتدائية المبكرة، فإن الطفل يكون قد طوَّر بشكل ملحوظ مهارَتَي الاستماع والتحدُّث؛ ولذا علينا أن نواصل تقديم القصص المسموعة للطفل، سواء تلك التي يقرؤها الوالدان، أو التي يسمعها الطفل من خلال التطبيقات التي توفر ميزة الكتب المسموعة. وفي هذه الحالة، يزيد طول القصة نوعًا ما، وتصبح من النوع متوسط الطول.

ونستمر كذلك في طرح أسئلة الفهم والاستيعاب على الطفل لتنمية (مهارة التحدث)، ونزيد من عدد الأسئلة ونُنوِّعها، ونناقشه في أحداث القصة والمواقف والشخصيات التي أعجبته وسبب ذلك، والمواقف والشخصيات التي لم تعجبه وسبب ذلك، وكل هذا بغرض تنمية مهارة التحدث، بالإضافة إلى تنمية الحس النقدي والتحليلي لدى الطفل.

النقاش المفتوح حول القصة

من خلال هذا النقاش، يتمكن الطفل من تطوير لغته المنطوقة، ويستخدم أنماطًا وأساليب لغوية تحاكي ما جاء في القصة. ويساعد ذلك النقاش أيضًا على تعزيز مهارة الحوار بين الطفل والآخرين، ويفسح المجال للطفل للتعبير عن آرائه بكل حرية وأريحية.

نسأل الطفل في النقاش المفتوح عن رأيه في القصة وفي أحداثها، وعن رأيه في نهاية القصة، وما إن كانت لديه نهاية أخرى. وكذلك نسأله عن رأيه في عنوان القصة، وهل هو مناسب لأحداثها أم لا، وعن اقتراحاته لعنوان أو عناوين أخرى قد تكون مناسبة.

وهذه الأسئلة التي نطرحها في النقاش المفتوح لا يكون لها إجابة محددة؛ فلا توجد إجابة صحيحة وإجابة خاطئة هنا، وإنما هي آراء ووجهات نظر مختلفة نفهم من خلالها مكنونات صدر الطفل ونظرته للأمور.

ثانيًا: أنشطة تعزيز مهارَتَي القراءة والكتابة:

نلاحظ أنه في المرحلة العمرية المبكرة لا تكون مهارتا (القراءة والكتابة) موجودتين لدى الطفل بعد، ولذا لا يمكن تقييمهما. ومع ذلك، يمكن التمهيد لاكتساب المهارتين وتعزيزهما من خلال بعض الأنشطة.

– أن يجلس الطفل وينظر إلى القصة المصوّرة أثناء الاستماع إليها، ويقوم القارئ أثناء القراءة بتمرير إصبعه على الكلمة التي يقرؤها، وبذلك تتشكل في ذاكرة الطفل البصرية أشكال الكلمات وطريقة كتابتها، ويكون ذلك الفعل وسيلة من وسائل التمهيد لتعزيز مهارة القراءة، ومن ثم الكتابة لدى الطفل.

– اختيار بعض الكلمات المميَّزة من القصة وكتابتها بشكل كبير، وتعليقها أمامه لمدة من الزمن ليتذكر شكلها.

– كما يمكن في نهاية هذه المرحلة، وعندما يبدأ الطفل في تعلُّم الحروف والكلمات، أن نطلب من الطفل تكوين كلمات معينة باستخدام الحروف المتنقلة.

أما في مرحلة الصفوف الابتدائية المبكرة، فإن الطفل يكون في المراحل الأولى لاكتساب مهارَتَي القراءة والكتابة.

ولتعزيز (مهارة القراءة) لدى الطفل في هذه المرحلة:

– نختار له بداية قصصًا قصيرة سهلة الألفاظ، ونشجعه على قراءتها بمفرده، وحبذا أن تكون القصص بالتشكيل، ومع تقدم الطفل في المستوى نزيد من طول القصة، ونقلل من التشكيل.

– نطلب منه أن يقرأ القصة قراءة جهرية متأنية؛ لنصحِّح له ما يصعب عليه من كلمات أثناء النطق.

– تعليم الطفل كيفية القراءة بأداء صحيح مراعيًا علامات الترقيم، مع الانتباه للحركات على حروف كل كلمة.

– العمل على تحسين سرعة القراءة أيضًا، ويمكن تقييم سرعة القراءة لدى الطفل باحتساب عدد الكلمات الصحيحة التي يقرؤها خلال دقيقة واحدة.

 ولتعزيز (مهارة الكتابة) لدى الطفل في هذه المرحلة:

– نطلب منه نقل جملة أعجبته من القصة وكتابتها بخط جميل في دفتره.

– نُملي عليه فقرة قصيرة من القصة، ونصحح له الأخطاء إن وجدت.

– نطلب منه تلخيصًا قصيرًا للقصة يكتبه بنفسه، وأن يستخدم فيه ما اكتسبه من ألفاظ وظواهر لغوية.

ولا يُشترط أن يكون التلخيص مكتوبًا في الدفتر، وإنما يمكن كتابة التلخيص أو المقتطفات من القصة في لوحة وتعليقها على الحائط، أو في بطاقات والاحتفاظ بها في ملف، أو على شكل خريطة ذهنية، أو التلخيص بالرسم من خلال رسم شخصيات القصة، وعمل مربعات حوارية يكتب فيها بعضًا مما استفاده من القصة، وما إلى ذلك من أساليب متنوعة في التلخيص.

– تشجيع الطفل على عمل دفتر يدوِّن فيه الكلمات والألفاظ الجديدة التي مرت عليه في القصة، ونساعده على البحث عن معناها في المعجم.

أنشطة تحليل واستخراج المظاهر اللغوية المتنوعة في القصة المقروءة أو المسموعة:

بعد قراءة القصة للطفل أو معه، أو بعدما يقرؤها هو بنفسه، ننتقل إلى نشاط استخراج المظاهر اللغوية من كل صفحة من صفحات القصة، بشكل شفوي للأعمار الصغيرة، أو كتابي للأعمار الأكبر.

وهذه أمثلة لبعض المظاهر التي لا تخلو منها أي قصة:

– نطلب من الطفل استخراج الكلمات التي تبدأ باللام الشمسية والقمرية.

– نطلب منه استخراج حروف الجر.

– نسأله عن جمع ومفرد الكلمات الواردة في القصة.

– نسأله عن مرادف الكلمات وعكسها.

– نطلب منه استخراج أسماء الإشارة، أو الضمائر، أو الأسماء الموصولة.

– نطلب منه استخراج فعل مضارع، أو فعل ماضٍ، أو فعل أمر، إن وجد.

– نطلب منه تحديد جملة خبرية وأخرى استفهامية، إن وجدت.

– نطلب منه تحديد جملة اسمية وأخرى فعلية، إن وجدت.

– نطلب منه تحديد صيغ المفرد والمثنى والجمع، إن وجدت.

– نطلب منه تحديد أسلوب التعجب، إن وجد.

وغيرها الكثير من الأساليب والمظاهر اللغوية. 

ومن خلال استثمار تلك المظاهر والأنماط والأساليب اللغوية، يمكن تعزيز الشخصية اللغوية عند الطفل، وتدريبه على مهارات اللغة الأربع.

وكما ذكرت من قبل، فإن أغلب قصص الأطفال المصوَّرة المكتوبة بأسلوب جيد ولغة عربية سليمة، يمكن استغلالها وتطبيق جميع الأنشطة السابقة عليها. 

قد يحتاج الأمر إلى بعض التدريب من قبل الأم لتتعلم كيفية استغلال القصص بشكل أمثل، ولكنه في النهاية قابل للتطبيق.


(1) البحث بعنوان: (تنمية الشخصية اللغوية وأدب الأطفال- القصة القصيرة أنموذجًا)، د. راشد علي عيسى، أستاذ جامعي في اللغة العربية، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، ولجنة تأليف المناهج في وزارة التربية والتعليم الأردنية.