القراءة في أيام المدرسة.. ماذا نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟

قراءة القصص ليست في مقرراتنا الدِّراسية، ومعلِّم الرياضيَّات لن يسألني عن بطلي المفضَّل في آخر قصة قرأتها. القراءة خارج المنهج، ولن تدخل في مواضيع أي امتحان. 

هل يعني هذا ألَّا نقرأ في أيام المدرسة؟

في كتابه “مقاليد القراءة” يخبرنا الكاتب سالم القحطاني، أن الإجابة عن هذا السؤال لم تكن يومًا سهلة؛ إذ علينا أولًا أن نحدِّد ما الذي نبغيه حقًّا، وإن كنّا نقرأ ونتعلَّم لأهداف ذاتية أم لأهداف عامة؛ لأن قراءة ما يكفينا ويكفي حياتنا اليومية قد لا يكون بالأمر الصعب، ولكن لطلب العلم ونشره حديث آخر. 

إنَّ أول كلمة أُنزلت، وأول تكليف إلهي من الله- سبحانه وتعالى- لنا، كان بكلمة “اقرأ”. لم يكلِّفنا الله- عز وجل- بطلب العلم في أول أوامره لنا، لكنَّه- سبحانه وتعالى- حدَّد القراءة على وجه خاص كوسيلة للتعلُّم، ولا بدَّ لذلك من دِلالات لا تتسع لحصرها ومناقشتها سطور هذا المقال.

تستهلك أيام الدراسة قرابة ثُلثي أيام أطفالنا خلال العام الواحد، فإن لم نقرأ في أيام المدرسة، متى سنقرأ إذن؟

ولكن، ماذا نقرأ وقت المدرسة؟ 

عام دراسي جديد يعني أننا كبِرنا عامًا كاملًا، وأننا سنعود إلى أصدقائنا القُدامى، وإلى مُعلِّمينا ومدرستنا. كما أنه وقت التعرُّف على أصدقاء جدد. البناء النفسي للطفل لا يمكن أن يتكوَّن بمعزِل عن خبراته اليومية في وقت المدرسة، وما نتحدَّث عنه هنا هو حصيلة كاملة من الخبرات التي لا تساهم في البناء المعرفي للطفل فحسب، إنما هي مساحة للتعلُّم السلوكي والبِناء النفسي، وتكوين منظومة القيم التي ستُحدِّد مع الأيام هويَّته ومستقبله. 

القصة سلاح خطير وقوي وفعَّال وممتع للتوجيه في كل هذه الجوانب. 

يمكننا أن نقرأ قصصًا عن:

  • طلب العلم.
  • التعامل مع الأصدقاء.
  • التعامل مع المعلِّمين.
  • المسئولية.
  • تنظيم الوقت.
  • إدارة المصروف.
  • الطعام الصحِّي. 

القراءة الخفيفة يمكن أن تكون مفيدة

يمكننا أن نستثمر وقت القراءة أيام المدرسة لتنمية قدرة صغارنا على مواجهة المشكلات والتحديات اليومية، ولكن هل هذا هو كل شيء؟

التعليم المدرسيُّ المنظَّم له من المشكلات ما لا يمكن حصره؛ فما المنهج المدرسي إلَّا قالب واحد وضِعَ ليسع كلَّ أشكال عقول الأطفال، باختلاف قدراتهم وميولهم وأنماطهم الإبداعية، ومواطن تميُّز كلّ منهم. والتعليم الحرّ في فترة ما قبل المدرسة، والأنشطة اليومية، ونظم التعليم المنزلي المختلفة، هي أمور نفتقدها بشدة وقت المدرسة. 

إن كان صغيركِ في مراحله الدِّراسية الأولى، ستشعرين بقيمة الأعوام البسيطة التي سبقت التحاقه بالمدرسة. وبجانب ما سبق ذكره من مواضيع يمكن أن نقرأ عنها مع صغارنا، علينا أن نحدِّد أهدافنا الخاصة، ومنهجنا البسيط في التعليم والتربية، الذي يمكن أن ندمجه مع ما نتعلَّم أيام المدرسة. 

الأهداف الكثيرة والكبيرة خلال الأيام الدراسية قد لا تكون مجدية، وما نحتاجه الآن هو مهارة، أو قيمة، أو عنوان لموضوع في سياق القراءة الخفيفة، نتناوله خلال أيامنا لفترة من الوقت. وإذا وقع اختيارنا في القراءة عن الفضاء مثلاً، فلماذا لا نقرأ كل يوم القليل عن كوكب زُحل؟ فلنقرأ عن زُحل حتَّى نعلم كل شيء عنه. 

والقراءة المتأنية في نقطة بعينها تضفي عمقًا وتربِّي شغفًا، وستفتح الباب لتعلُّم الصغير عن باقي الكواكب. يمكننا أن نلعب معًا ألعابًا مختلفة فيها تحدِّيات لمن يأتي بمعلومة جديدة. كما يمكن لوقت الشاشة أن يتحوَّل للبحث عن فقرات نشاهدها عن زُحل. وباستطاعتنا أن نبحث عنه في السماء في الأيام التي يظهر فيها ليلًا، يمكننا أن نستمتع حقا في وقت المدرسة.

القراءة خلال اليوم الدراسي

تنمية عادة القراءة والعمل على دمجها مع أعمالنا اليومية قد تبدو في البداية مهمة صعبة، ولكن ببعض الترتيبات، وعند البدء في العمل على هذه العادة الرائعة، سنكتشف ألوانًا مختلفة من المتعة، وربما نندهش من سهولة الأمر ويسره.

تدعو معظم المبادرات والدراسات* إلى المداومة على القراءة لمدة تتراوح بين 10-15 دقيقة يوميًّا. وذلك لأن دقائق من القراءة اليومية يمكن أن تغير الكثير بالفعل، خاصة إذا قرأنا مع الصغار بصوتٍ عالِ في جلسة ممتعة من جلسات القراءة الجهرية.

يخبرنا جيم تريليس في كتابه الشهير The read-aloud handbook أننا نقرأ للصِّغار لنفس الأسباب التي تجعلنا نتحدث معهم، فنحن نقرأ لهم لنتواصل معهم، ولنطمئنهم ونلاطفهم ونعلمهم ونشرح لهم ** إلا أن القراءة معهم بصوتٍ عالٍ تضيف إلى ذلك كله:

  • بناء حصيلة لغوية.
  • ربط وقت القراءة بالمتعة.
  • توفير نموذج يُحتذى به في القراءة.
  • تكوين خلفية معرفية وبناء ثقافي للطفل.

ألا يستحق ذلك منا أن نترك للقراءة مساحة من الوقت خلال يومنا المعتاد؟

يمكننا أن نستعين مع الصِّغار بجدول القراءة التالي لاختيار عدد من الكتب وترتيب أوقات قراءتها.


لتحميل جدول نوري للقراءة..اضغط على الصورة

المكتبة المنزلية والمكتبة المدرسية

تكوين مكتبة صغيرة في المنزل يشجع الصِّغار على القراءة وحبِّ المطالعة؛ وذلك لأن اعتيادهم على أن المكتبة جزء من تكوين منزلهم، يساهم بشكل تلقائي في تنمية شغفهم وارتباطهم بعالم الكتب. يمكننا أن نبدأ بتكوين رف بسيط نعرض فيه عددًا متنوعًا من الكتب، أو نبادر بتكوين سلّة للقراءة نضع فيها مجموعة من الكتب تناقش موضوعًا بعينه، نغير محتوياتها كل فترة بمشاركة الصغار.

المكتبة المدرسية مساحة رائعة لغرس عادة حب القراءة كذلك، فأمينة المكتبة قد تكون صديقة جديدة ومعلِّمة منهجها داخل جدران عالم من الكتب، ويمكن لصغيركِ أن يتعلَّم الكثير عن كتب متنوعة خلاف ما يذهب إليه في الأوقات العادية. سيطَّلع طفلكِ على أنواع أكثر من الكتب، وسيجرِّب البحث عن المعلومة بشكل مختلف وممتع، وربما يتعلَّم عن أنظمة تنظيم المكتبات كذلك.

قصة قبل النوم

بعد يوم طويل مليء بالتَّعب والمسئوليات، حضن ماما، مع قصة جميلة، هو النهاية الأجمل! يمكننا دومًا أن نكتفيَ بدقائق من القراءة في وقت هادئ وآمن، وقصة قبل النوم هي ذكرى ورابطة وميثاق آمان، وهي وقت نستقطعه من صخب كل ما يشتِّتنا لننتبه في نهاية اليوم إلى ما هو أبقى وأولى. 


المراجع:

* – جيم تريليس – The read-aloud handbook- الطبعة السابعة – صفحة رقم 37.

** ـ https://www.readaloud.org/